أهمية وسائل الإتصال والمعلومات في العملية التعليمية
لايخفى على الذين استأنسوا بوسائل الاتصال والمعلومات أهمية هذه الوسائل في مجال التربية والتعليم. إنها تساعد المتعلم، كيفما كان مستواه، على الحصول على المعرفة وعلى تدبيرها وعلى إنتاجها، إذا توفرت له الشروط الكفيلة بذلك. ويتضمن المقال التالي نقطتين أساسيتين:
أولا: أهمية الوسائل التكنولوجية في عملية التعلم
أثار انتباهي مقال يلخص نتائج مجموعة من التجارب أجريت بالولايات المتحدة خلال التسعينات حول دور التكنولوجيا في المجال التربوي. أذهلتني هذه الأبحاث، وكذلك النتائج المحصل عليها. وسأتعرض في هذه النقطة لخلاصات نتائج هذه الأبحاث.
ثانيا: ضرورة استئناس المدرس بوسائل الاتصال والمعلومات
بالنسبة لهذه النقطة الثانية، أي ضرورة استئناس المدرس بوسائل الاتصال والمعلومات، فقد فاجأتني عناوين بعض المقالات حول دور مدرس الاجتماعيات، مثل هل ستزول مهنة أستاذ الجغرافيا؟- هل سينتفي أستاذ الجغرافيا؟
أولا: أهمية الوسائل التكنولوجية في عملية التعلم
إن التقنيات الحديثة في مجال المعلوميات والاتصال، تمكن من تقوية المؤهلات العقلية مثل القدرة على التفكير والبرهنة، وحل المشاكل، والتدرب على التعلم والإنتاج.
إن أغلب المتعلمين يظهرون، وبشكل تلقائي، اهتماما كبيرا لأغلب الأنشطة التعلمية المعتمدة على تكنولوجيا حديثة. ويحدث العكس عند استعمال مقاربات تقليدية.
وأغلب التحقيقات والمعاينات الميدانية وبرامج التتبع، التي أجريت في الدول المتقدمة تؤكد ذلك.
و انطلاقا من خلاصات لعدة دراسات وأبحاث ميدانية، أجري أغلبها في الولايات المتحدة الأمريكية، في مستويات تعليمية مختلفة، حول استعمال الوسائل التكنولوجية في الحقل التربوي، والتي تثير الانتباه بشكل كبير، أستخلص هذه النماذج، لنأخذ فكرة عما يجري في الدول المتقدمة، حتى نعرف ما ينتظرنا من مجهودات في المستقبل.
أجرت مجموعة من الباحثين في 1990، على مستوى السنة النهائية من الابتدائي، بحثا لمدة سنة، حول استعمال أنظمة التواصل والمعلومات في دروس اللغة. وفي نهاية السنة، تم تقويم التجربة، وأظهرت النتيجة أن المجموعة المستهدفة من التلاميذ حققت قفزة ثلاث سنوات فيما يخص التحكم في قواعد اللغة، وسنتين بالنسبة للتعبير اللغوي، وسنة واحدة بالنسبة للقراءة والرياضيات.
وأجريت تجربة أخرى في نفس المستوى التعليمي ( السنة النهائية ابتدائي )، حول مشروع ندوة إليكترونية حول مواضيع علمية واجتماعية، حيث تمكن التلاميذ خلال سنة واحدة، من مكاتبة أساتذة وطلبة جامعيين، ومدرسي وتلاميذ التعليم الثانوي، ومدرسيهم.
وتم تقويم التجربة في آخر السنة، حيث خضع التلاميذ المستهدفون لاختبارات في القراءة والكتابة. وكانت النتيجة هي أن هؤلاء التلاميذ، تجاوزوا فيما يخص فهم النصوص، ما يمكن تحقيقه خلال سنتين تعليميتين، وسنة ونصف بالنسبة لمعرفة شرح المفردات والتعبير الكتابي، وأقل من سنة في القواعد. ذلك أنهم بذلوا مجهودات كبيرة في قراءة وفهم المراسلات الإليكترونية التي توصلوا بها، وأنتجوا أقل منها عددا.
نستخلص من النموذجين أهمية استعمال التكنولوجيا الحديثة في المجال التربوي قصد تحقيق أهداف وقدرات محددة حسب مشاريع تعليمية محددة، وفي وقت أقل مما يتطلبه تحقيقها بالوسائل التقليدية.
وفي تقرير نشره " مكتب تقويم التكنولوجيا " Office of Technology Assessment " سنة 1995، يتم التأكيد عل أهمية التحفيز التي يحدثها استعمال التكنولوجيا وسط التلاميذ من مختلف الأعمار.
ومن أهم العوامل المحفزة للتلاميذ: المحيط والوسائل التكنولوجية والمضمون الذي تقدمه بشكل يثير اندفاع التلاميذ مباشرة إلى المشاركة، الشيء الذي تفتقده الكراسات والوسائل التعليمية التقليدية.
إن الوسائل التكنولوجية لها قدرة تفاعلية، تسمح للتلاميذ بالانخراط والمساهمة في أنشطة تدفعهم إلى الإبداع ومشاركة الغير. ويزداد تركيزهم على نشاط تعلمي بنسبة 20%، عند استعمال
" نظام تعلمي مدمج" ( Système d'Apprentissage Intégré ). بحث أجراه: Western Institute for Research and Evaluation سنة 1995.
وفي دراسة أجريت ب نيوزيلاندة من طرف مجموعة من الباحثين، سنة 1996، تبين أن: استعمال
الحاسوب بشكل مستمر، لم يكسب التلاميذ " كفايات تكنولوجية " فحسب، بل كذلك مؤهلات ليصبحوا " منتجين للمعارف " Producteurs de connaissances ". وكل مشروع أنجز من طرفهم، يعتبرونه مشروعا جماعيا، يمكن عرضه على العموم، قابل لتعاليق وتقويم الأساتذة ونظرائهم، وهم على استعداد للمساهمة الفعالة لبلورة وتقويم معارفهم.
وأجريت تجربة أخرى بالولايات المتحدة حول مشروع: "ACOT " ( Apple Classrooms of Tomorrow )
المشروع الذي أنتجته و تبنته شركة Apple للمعلوميات، تمت تجربته لمدة 10 سنوات، ما بين 1985 – 1995، بمؤسسات ابتدائية وثانوية، تؤكد نتائجه على تنمية علاقات العمل الجماعي بين التلاميذ. وتبرز هذه التجربة اهتمام شركات إنتاج البرانم Logiciels بالجودة وتتبع النتائج، لأهداف اقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب البرانم التعليمية " Logiciels Ēducatifs " تصمم للاستعمال الفردي. لكن داخل المؤسسات، لا يمكن إيجاد حاسوب لكل تلميذ، فعلى الأقل يشتغل تلميذان أو أكثر بحاسوب واحد. وفي هذا الإطار تحدث التفاعلات بين التلاميذ أنفسهم، وبينهم والمحيط التعليمي الذي يوضع رهن إشارتهم ( أساسا الحاسوب وأوراق العمل والتوجيهات).
وبالنسبة للتعلم الذاتي أو الفردي، باستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة، استخلصت إحدى المدرسات النتيجة التالية:<< يحب التلاميذ أن يتباروا مع أنفسهم، سعداء لطرح ومناقشة مواضيع جديدة، في بيئة لا تهددهم ولا تحاكمهم، رغم أن النظام يصحح الأخطاء ويفرض عقوبات. لكنه لا يهينهم، مثلما يحدث دائما داخل القسم...>>.
ثانيا: ضرورة استئناس المدرس بوسائل الاتصال والمعلومات
إذا كان استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة يساعد على ربح الوقت وحرق المراحل في مجال التعليم والتكوين والتعلم، كما أوضحت نتائج الأبحاث المشار إليها سابقا، فما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في المدرسين والمربين لمواكبة هذا التطور والاستفادة منه؟
إن تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أحدث تحولات عميقة في إمكانيات الحصول على المعرفة والفعل فيها وإشاعتها. وهكذا أصبح يتغير دور المدرس، سواء في الابتدائي أو الثانوي أو بالتعليم العالي؛ فاستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال يسهل العمل التفاعلي، العمل على مشروع، العمل في إطار مجموعات، فتتغير علاقات القسم. ويصبح المدرس يلعب دور المرشد والوسيط والمرجع في بناء عمليات تعلم التلاميذ التي أصبحت تتقوى بوجود هذه التقنيات الجديدة.
إذن أصبح من المفروض على مراكز التكوين، تأهيل مدرسي المستقبل لاستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ أي أن يكون المدرس الوافد على المؤسسة قادرا، وفي حد أدنى، على توظيف الأدوات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال في مختلف مجالات استعمالها. مثلا:
- القدرة على إجراء بحث عن معلومات عبر شبكة الأنترنيت.
- القدرة على إنتاج وثيقة من مكونات مختلفة: نص – جدول – صورة ...
- القدرة الدنيا على قراءة وتحليل الصورة.
أما بالنسبة للمدرس الفاعل حاليا، وحتى يواكب التطورات الحاصلة ويتجنب المفاجئات المحتملة
لابد له من اقتحام مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حتى يتمكن من معرفة حاجياته لها،وتحقيق أهدافه، انطلاقا من مضامين المقررات، التي يجب أن يكون لها ارتباط هي الأخرى بالتكنولوجيا الحديثة.مثلا:
* معرفة طرق ولوج مصادر المعلومات، على اختلاف أنواعها: أقراص مضغوطة أو شبكة الأنترنيت. كل ذلك من أجل:
1 – إنجاز البحث – تحليله انطلاقا من قراءة نقدية.
2 – إنتاج شخصي للمعلومات.
3 – استعمال المعلومات المرتبطة بالأنشطة التعليمية.
* التعرف على المصادر الأساسية للمعلومات، المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، واستعمالها لتحقيق هدف بيداغوجي محدد.
وعلينا كمدرسين أن نستعد لتدبير جديد للقسم وتنظيم التعلم، لأن إدخال التكنولوجيا الحديثة في مجال التعليم، سيحدث تغييرا داخل جماعة القسم، وكذلك في العلاقة بين المدرسين والتلاميذ.
المدرس لم يعد وحده محور المعرفة أو مصدر المعلومات، عليه إرشاد وتتبع عمل التلاميذ في عملية البحث عن المعلومات، انطلاقا من معرفته لمصادر المعلومات وأنجع الوسائل التي تعرض الحلول الممكنة والملائمة.
إن التكنولوجيا الحديثة في مجال المعلومات والاتصال يجب أن نستغلها بشكل إيجابي، لأنها سلاح ذو حدين، تساهم في تعدد قنوات التواصل والتبادل، الإيجابي والسلبي منها. وعلينا معرفة خطورتها وأهميتها في نفس الوقت، حتى نتمكن من التعاون بيننا كمربين لتوجيه تلامذتنا وأبنائنا في الاتجاه الصحيح.مثلا:
جعل هذه الوسائل تساهم في تسهيل العمل بين التلاميذ فيما بينهم.
كذلك بالنسبة للمدرسين: تبادل التجارب البيداغوجية والتربوية والتعاون في مجال المستجدات.
تطوير إستراتيجيات العمل الجماعي( أي فرق العمل ) داخل المؤسسة، بين المؤسسات التعليمية، على مستوى الأكاديمية، على المستوى الوطني، أو مجال أوسع.
إنتاج معلومات بالمساهمة في مواقع المؤسسات على الشبكة بمواضيع مرتبطة بالتربية والتعليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق