الجمعة، 31 ديسمبر 2010

التعليم في بريطانيا: لا للواجبات، لا للامتحانات، لا للرسوب

التعليم في بريطانيا: لا للواجبات، لا للامتحانات، لا للرسوب

إن من نتائج تواجد حزب العمال في الحكومة هو تبني مفهوم العدالة عند رسم استراتيجية التعليم، فيعرف الجميع أن الأطفال يأتون من بيئات مختلفة ومن عوائل متفاوتة في مستواها التعليمي، ولهذا السبب تجد أن من يأتي من عائلة تعرف قيمة التعلم والعلم يتفوق في دراسته ويكون مستواه أفضل ممن يأتي من بيئة جاهلة. وهذا له أسباب كثيرة لا مجال لذكرها كلها هنا ولكن أحد هذه الأسباب هو المساعدة التي يحصل عليها الأطفال من الاباء المتعلمين عند القيام بواجباتهم المدرسية وعند التحضير للامتحانات. اعتبرت الحكومة أن هذا الأسلوب سيبقي الفارق بين المتعلمين وغير المتعلمين كما هو الى الأبد وسينقل التخلف من جيل الى جيل. لذلك تم اتباع اسلوب جديد في التعليم بحيث تتحمل المدرسة مسؤولية التعليم كاملة ولا يطلب من الأطفال في المرحلة الابتدائية وحتى السنة السادسة القيام بأي واجب ولا يطلب منهم تقديم أي امتحان. كان في السابق امتحانين في المرحلة الابتدائية في السنة الثانية والسنة السادسة حيث يتم تقديم هذان الامتحانان بشكل مفاجئ من دون اخبار الأهل بالموعد لتقليل الضغط النفسي على الأطفال. ومع كل هذا فقد تم الغاء هذه الامتحانات في سبيل رفع الضغط النفسي بشكل كامل. وبطبيعة الحال لا يوجد رسوب اذا كان لا يوجد امتحانات أصلا. وحتى ان كان مستوى الطفل متدني يتم نقله مع أقرانه الى الصف الثاني ولكن مع اعطائه دروس وجها لوجه مع معلمة متخصصة في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.
احترام حقوق الطفل يعتبر من المقدسات عندهم وهذا سبب اخر من الأسباب التي جعلت الحكومة أن تلغي الواجبات المدرسية، فمن حق الطفل اللعب واذا تم تكليفه بواجبات مدرسية قد لا يجد الطفل الوقت الكافي لممارسة هذا الحق. كل هذه الأمور خلقت جو ممتع في المدرسة لا يمله الأطفال، فلا أبالغ ان قلت أن الأطفال هنا يفضلون المدرسة أكثر من العطلة الصيفية مع أن مدتها لا تتجاوز الست أسابيع.
وهناك سبب اخر لالغاء الامتحانات، وهو ان التركيز قائم على تطوير المهارات عند الطلبة وليس تخزين المعلومات في أدمغتهم. وهذا لا يقتصر على المدارس الابتدائية فالاهتمام بتنمية المهارات واضح في كل المراحل وحتى في التعليم الجامعي، بالطبع لا تزال الامتحانات موجودة في الجامعة ولكن أقل بكثير من السابق والدرجة المخصصة للامتحان أقل من الدرجة المخصصة للبحث أو لأعمال الكورس في التوزيع الكلي للدرجات. المهارات التي يتم التركيز عليها في المرحلة الابتدائية هي القراءة والحساب، والطريقة المتبعة هنا لتطوير القدرة على القراءة هي التشجيع على كثرة القراءة، ويعتمدون كثيرا على قصص الأطفال المتوفرة في السوق، فلا يوجد عندهم كتاب مدرسي ولا يوجد عندهم

مع حمد قلم

أو زرع فلان بصل وثوم

ولا يوجد عندهم

أمي تأكل وأبي يشرب

انما يوجد مكتبة مليئة بالكتب تخصص لها ميزانية سنوية تتجاوز الألف جنيه استرليني، يذهب اليها الاطفال كل يوم ويختارون منها ما يشاؤون ويقرؤون ما يشاؤون. مقياس النجاح في عملية التعليم هو أن يحب التلميذ القراءة، فالذي ينجح بتشجيع الناس على القراءة فقد شارك بانجاح عملية التعليم، وهذا ما قاله رئيس الوزراء السابق توني بلير (أو أحد وزراءه لا أذكر) عن المؤلفة جي كي رولنج أنها استطاعت أن تفعل ما لم يستطع فعله أي وزير تعليم في التاريخ لأنها سحرت الأطفال بقصص هاري بوتر وجعلتهم يقرؤون.

تعتبر السنة الدراسية هنا طويلة جدا بالمقارنة مع الكويت وحتى مع أمريكا، ولكن خلال هذه السنة هناك الكثير من الأشياء التي تشغل الأطفال بطريقة ممتعة. وأهمها الرحلات المدرسية الى المتاحف والمسارح وغيره، وفي السنة الخامسة والسادسة من المرحلة الابتدائية يتم تنظيم رحلة داخل أو خارج بريطانيا مدتها اسبوع كامل يقضيها الطالب بعيدا عن أهله ولا يسمح له حتى الاتصال بهم هاتفيا، وليس الهدف اجراء عملية غسيل للمخ كما يفعل الاخوان في مخيماتهم الشتوية، انما لتكوين شخصية الطفل وتهيأته للانتقال الى المرحلة المتوسطة، وكذلك لعدم اثارة مشاعر الحنين والاشتياق عند سماع صوت الأهل. هذه الرحلة عادة تكون على حساب الأهل بالكامل اذا كانوا مقتدرين. قد تكون الرحلة مكلفة كما حصل في العام الماضي عندما قررت المدرسة تنظيم رحلة الى جبال الالب في ايطاليا فقد كلفت الرحلة 600 جنيه استرليني ولكن تم البدء بتجميع المبلغ بشكل أقساط شهرية من قبل موعد الرحلة بسنة كاملة للتخفيف على أولياء الأمور.
ومن الأمور الأخرى التي يقوم بها التلاميذ خلال السنة الدراسية هي اكتساب الخبرة العملية وهذا لتلاميذ المرحلة المتوسطة، فعلى كل طفل العمل في أي مكان لمدة اسبوعين الى 4 أسابيع، وغالبا ما يكون مكان العمل محل تجاري أو سوق مركزي. خلال هذه الفترة يكتسب الطالب مهارات الاتصال ويتعرف على بعض المهن وعلى طبيعتها بالاضافة الى اكتساب أول معاش في حياته مما يجعله يعرف قيمة العمل.
هذا باختصار التعليم الحقيقي في بريطانيا وليس التلقين المتبع للاسف عندنا.

هناك 3 تعليقات:

أبو راشد الحقباني يقول...

اشكر الاستاذ / محمد.. على هذا الموضوع ونحن نحتاج إلى ان نستفيد من تجارب الاخرين وناخذ منهم ما يناسبنا ونطرح مالا يتماشى مع قيمنا ومعتقداتنا بحيث نبدأ من حيث انتهوا حتى لا نضل في اخر الركب .

غير معرف يقول...

ملاحظة قيمة وفي محلها ياابوراشد وهذه الملاحظة هي سبب بقائنا متمسكين بديننا وقيمنا وعقيدتنا

محسن العتيبي يقول...

اشكرك على طرح التجارب الجديده..