السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ظل انتشار استخدام الحاسب اللي واللهفه اليه والتوسع في مداركه ومشاربه وكثر شره وخيره ... وفي مقال من روائع المقالات كتب الدكتور / أحمد بن عبدالله الخليفه ... في جريدة الرياض مقالا رائعا ...
اليكم نص المقال ---
كثر الحديث في السنوات القليلة الماضية عن أخلاقيات استخدام المعرفة. وبدأت بعض الجامعات والمعاهد العلمية بتدريس الأخلاقيات كجزء من كل تخصص. فمثلاً، يدرس طلاب كليات الطب أخلاقيات العمل كطبيب. ولعلنا نذكر كيف أن أخلاقيات استخدام المعرفة قد أثيرت وبقوة عندما بدأ بعض الباحثين في مجال الجينات البشرية التحدث عن إمكانية استنساخ البشر وما قد يتبعه من مشاكل أخلاقية علمية. وبالمقارنة، فإن واقع علم الحاسب الآلي في عصرنا هذا يفرض على المتخصصين والتربويين سرعة طرح قضايا أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي. بل ونجد انه من المحتم علينا الآن أن نربط الحوسبة بالأخلاقيات ونطرحها بقوة في كل الميادين لاسيما في الميادين التعليمية والتدريبية عندما نعلم غيرنا استخدام الحاسب الآلي.
الواقع الملموس والمشاهدات اليومية تفرض علينا أن نقوم بتعليم أخلاقيات العمل والمهنة عموماً واستخدام الحاسب الآلي خصوصاً في مقرراتنا التعليمية والتدريبية جنباً إلى جنب مع المادة التخصصية، لاسيما وقد بدأت بعض المشاكل الأخلاقية في الظهور على السطح في مجال استخدام الحاسب الآلي. فما هي أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي؟ وكيف نقوم بتطبيقها؟
الأخلاقيات عموماً هي حقل يدرس أسئلة القيم، وهي الحكم على فعل الإنسان هل هو حسن أو سييء في موقف معين. الأخلاقيات هي المقاييس والقواعد التي تبنى عليها قرارات وأفعال كثيرة عندما لا يوجد عادة جواب واضح كما عرفها د. ادوارد جهرينجر (1997r.Ed.Gehringer ) المتخصص في علم أخلاقيات الحاسب الآلي وهو من أفضل من تطرق لهذا الموضوع تحديداً، فدعونا نلخص ماتوصل إليه ونسقطه على أرض واقعنا بما يتناسب ومجتمعنا.
يتابع الدكتور جهرينجر أن أخلاقيات استخدام الحاسب غير مرتبطة بآلة الحاسب والبرمجيات، بل هي متعلقة بمستخدم الحاسب الذي يعقل أفعاله. إن أخلاقيات استخدام الحاسب ليست عن الأنظمة التي تقنن استخدام الحاسب الآلي بقدر ما هي عن الخلق (الغرس الموجود في نفوسنا) الذي سيحكم كيفية تصرفنا عندما لا يكون هناك نظام مفروض. مانشهده اليوم من تقدم تقني وابتكارات حاسوبية جديدة كل يوم لا يقدم لنا فرصاً جديدة لحياة أسهل وأفضل فقط، بل يقدم أيضاً خطراً جديداً في نفس الوقت إذا لم يتم توجيهه واستخدامه بشكل سليم. تماماً كما هي التقنيات الأخرى التي ظهرت في حياة الإنسان، فالسيارة مثلاِ يمكن تسخيرها لخدمة البشر، ولكن لا ننس أنه يمكن أيضاً استخدامها لإيقاع الضرر بهم إذا أسيء استخدامها. ومع انتشار الانترنت السريع تبرز أهمية هذه الأخلاقيات لاسيما أنها مصدر للخير والشر أو سلاح ذو حدين.
يمكننا تقويم أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي إلى نوعين رئيسين. أولهما: أخلاقيات استخدام الحاسب بين الشخص ونفسه، وثانيهما: أخلاقيات استخدام الحاسب بين الشخص وغيره. ففي النوع الأول تبرز أهمية التربية ووجود الوازع الديني والأخلاقي لمراقبة الذات لعدم جدوى القوانين عندما يتعامل الشخص مع نفسه.
فمثلاً، من أهم الأخلاقيات التي يجب علينا إيصالها للآخرين والالتزام بها: احترام الذات وعدم تعريضها للأخطار التي تنعكس على المستخدم فقط. ومن ذلك مثالاً لا حصراً: عدم إضاعة الوقت عند استخدام الحاسب الآلي، وعدم النظر إلى مالا فائدة فيه أو النظر إلى المحرمات، وعدم الاطلاع على عورات الغير أو خصوصياتهم حتى لو كانت متاحة ويسهل الوصول إليها، وأخيراً وليس آخراً عدم الإضرار بالجسم وإعطائه قسطاً من الراحة والاهتمام بالظهر والعينين على وجه الخصوص.
كل هذه الأطر للتعامل بين الحاسب الآلي والمستخدم يجب زرعها في نفوس طلابنا ومتدربينا وموظفينا في كلياتنا ومدارسنا وأماكن عملنا لأنه لايوجد ضابط لهذه الافعال سوى مراقبة الشخص لنفسه.
النوع الثاني من أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي وهو بين الشخص المستخدم وغيره. ويمكن لهذا النوع أن يكون بين المستخدم وأناس آخرين كما يمكن أن يكون بين المستخدم والجهاز (الآلة). هذا النوع من الأخلاقيات كما قلنا سابقاً نستطيع أن نقننه بسن بعض الأنظمة التي تحمي الناس والمستخدمين كما يمكن أن تسن بعض القوانين لحماية الأجهزة أيضاً. ولكن يبقى المحور الأساسي لتطبيق هذه الأنظمة وهو الوازع الشخصي مرة أخرى والذي عرفنا أهميته سابقاً.
من أهم أمثلة أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي بين المستخدم وأناس آخرين احترام الملكية الفكرية للغير Intellectual Property . فمثلاً يجب وضع مصدر الأفكار والصور والمقالات المأخوذة من المصادر المفتوحة في الإنترنت. كما يجب عدم **** الأعمال والادعاء بأنها من صنع الغير. وعدم نسخ عمل الغير كالبرامج مثلاِ واستخدامها بالمجان، والحل هنا هو استخدام المصادر المفتوحة أو المشتركة shareware وهذا قد يكون فيه دافعاً لتشجيع المتخصصين والهواة لإنتاج ما يناسب مجتمعنا من برمجيات.
ومن أهم الأخلاقيات أيضاً الحفاظ على الخصوصية وأسرار الآخرين سواء نشرها أو حتى البحث عنها في المنتديات أو غيرها. كما لا يفوتنا التنويه على عدم الإضرار بالآخرين بالإطلاع على ملفاتهم Hacking أو تخريبها Cracking أو حتى صنع وإرسال الفيروسات والبرامج التخريبية.
إن من أهم ما يجب التنويه عليه عند الحديث عن أخلاقيات استخدام الحاسب الآلي تجاه الغير قضايا العدالة الاجتماعية Social-Justice Issues . مثل عدم التجني على الغير للونهم أو عرقهم أو دينهم أو مستواهم الاجتماعي أو المساس بسمعتهم أو الانتقام منهم والتجني عليهم. مثال ذلك مانراه من التجني والتشفي من بعض ولاة الأمور والعلماء ورموز المجتمع أو لأهالي مناطق معينة أو حتى الناس العاديين وإلصاق التهم بهم والتشكيك بنزاهتهم وللأسف أن ذلك قد يكون من بعض الكتاب في المنتديات الاسلامية وهم بذلك يخالفون قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} الحجرات 12 وقوله صلى الله عليه وسلم ((سباب المسلم فسوق وقتاله حرام)). والمشكلة أنهم يكتبون اتهاماتهم من غير دليل يستندون عليه وأدى ذلك إلى تفشي هذه الأفعال في فضاء الانترنت، فهذا يسب هذا وهذا يفضح هذا وهكذا. وأخيراً، هناك أخلاقيات بين المستخدم والجهاز وتتلخص في عدم إساءة استعمال الآلة computer Abuse (خصوصاً العام منها كأجهزة المدارس والجامعات والمكتبات العامة) لما فيه مصلحة الجميع. ومثال ذلك الحرص على سلامة أجزاء الجهاز وبرامجه ومحتوياته سواء من تكسير أو تحميل برامج تثقل أو تسبب تلف الأجهزة. ويجب التنويه هنا إلى أهمية الحفاظ على الالتزام بالقوانين التي وضعت لتنظيم عملية الاستفادة من الحاسب كالحفاظ على اسم المستخدم وكلمة السر وعدم إعطائها للآخرين من غير المخول لهم استخدام الأجهزة. نسأل الله أن يرزقنا حسن الأخلاق مع أنفسنا ومع غيرنا. والله تعالى أعلم.
هذا والله ولي التوفيق .... واتمنى من الله التوفيق للجميع لاتباع معايير النجاح والبعد عن ماسواها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق